الشكّ عدوى وقد يزداد سوءًا كلما حاولت حلّه. للبشر طبيعة وهي الميل نحو البحث عن اليقين والسيطرة على حياتهم. يتحدى الشعور بالشكّ هذا الرغبة في اليقين ويُضفي شعوراً بالغموض والتوقعات غير المُحدّدة.
عند مواجهة الشكّ، قد يشعر الفرد بالاضطراب والقلق بسبب عدم القدرة على التنبؤ أو التحكم بالنتائج بثقة أو ضمان قدرتهم على أداء جيد.
يمكن أن يُسبب الشعور بالشكّ عدم الارتياح النفسي الذي ينشأ عندما يحمل الأفراد معتقدات وأفكارًا أو تصورات متضاربة. نحن نسعى أيضًا للاتساق والاتفاق في أفكارنا ومعتقداتنا؛ فالشكّ، كحمض، يأكل من معتقداتنا الحالية ويُسلّط الضوء على التناقضات، مما يؤدي إلى حالة تناقض نسعى لحلّها.
يمكن أن يكون ذلك مُزعِجًا بشكل خاص عندما يتضمن تحدي المعتقدات العميقة والقيم والهويات الشخصية أو النتائج المأمولة. تعطي تعلّقاتنا بهذه المعتقدات والهويات شعورًا بالاستقرار والمعنى والانتماء في حياتنا.
كما يمكن أن يرتبط الشكّ في كثير من الأحيان بالخوف من اتخاذ قرارات أو خيارات غير صحيحة، ويميل البشر إلى تجنب الأخطاء والسعي للدقة والكمال فيما أمكن. الشعور بالشكّ يجعلنا أيضًا نشعر بالضعف ويتداخل مع أداءنا وعلاقاتنا، لكنه أيضًا يُسبب فرصًا لارتكاب الأخطاء، مما يؤدي إلى شعور الأفراد بالقلق والتردّد في عمليات اتخاذ القرار.
تاريخ وجود الشكّ
تاريخ الشكّ في الفلسفة غني ويمتد عبر فترات مختلفة وتقاليد فلسفية متنوعة، لقد لعب دوراً كبيراً في تشكيل التحقيق الفلسفي وكان هو القوة المحركة وراء استكشاف المعرفة والحقيقة والشكّ.
أكد سقراط، على أهمية التساؤل والشكّ في استباحة الحكمة. طريقته في الاستجواب، المعروفة بطريقة سقراط، تتضمن الانخراط في حوار نقدي لتحدي وفحص الافتراضات، مما يؤدي إلى فهم أعمق للقضايا.
في القرن السابع عشر، سعى رينيه ديكارت لإيجاد أساس للمعرفة يمكن أن يتحمل الشكّ، ووصل في النهاية إلى شهادته الشهيرة “أنا أفكر، إذا أنا موجود”. لا يزال الشكّ موضوعاً مركزياً ويستمر الفلاسفة في استكشاف الأسئلة المتعلقة بطبيعة المعرفة ومعايير الاعتقاد المبررة وحدود الفهم البشري.
لا يزال جزءاً أساسياً من الفلسفة ويمكن أن يساعدنا في التعامل مع تعقيدات المعرفة والحقيقة والفهم البشري، لكنه قد يعود بالضرر أحياناً بشكل مثير للدهشة.
التأثيرات النفسية للشكّ على الإنسان
عندما يظهر الشعور بالشكّ، يمكن أن يهدد هذه الجوانب الأساسية من “الذات” لدينا، مما يُثير استجابات عاطفية ورغبة قوية في الحماية والدفاع عن المعتقدات أو الهوية، كما نرى في العديد من النقاشات السياسية الحالية حول العالم. في حين أن الشكّ ذاته عادةً لا يُعتبر علةً أو اضطراباً نفسياً، يمكن أن تشمل بعض الاضطرابات والحالات النفسية الشكّ كميزة بارزة أو كعامل مساهم.
اضطراب الوسواس القهري (OCD)
يتميز اضطراب الوسواس القهري بالأفكار المتكررة المزعجة (الوسواس) والسلوكيات المتكررة أو الأفعال العقلية (القهر) التي تهدف إلى تقليل القلق أو منع الضرر المتصور.
يكون الشعور بالشكّ في مركز الاضطراب في كثير من الأحيان، حيث يعاني الأفراد من شكّ مفرط وعدم اليقين، مما يؤدي إلى الحاجة للقيام بسلوكيات متكررة أو طقوس عقلية لتخفيف الشكّ بشكل مؤقت.
اضطراب القلق العام (GAD)
يتميز اضطراب القلق العام بالقلق والتوتر المستمر والمفرط حول جوانب مختلفة من الحياة، يرافق ذلك في كثير من الأحيان أعراض جسدية مثل الاضطراب، والتعب وصعوبة التركيز.
يمكن أن يكون الشعور بالشكّ عاملاً مهمًا في اضطراب القلق العام، حيث يمكن أن يعاني الأفراد من عدم اليقين والقلق المستمر والشكوك المفرطة حول قدراتهم وعملية اتخاذ القرارات والمستقبل.
اضطراب التشوه الجسدي (BDD)
يتميز اضطراب التشوه الجسدي بالتوغل الشديد في العيوب المدركة في المظهر الجسدي والتي لا يمكن للآخرين ملاحظتها أو أنها طفيفة. غالباً ما يكون لدى الأفراد المصابين بـ اضطراب التشوه الجسدي شكوك ومخاوف مفرطة حول مظهرهم، مما يؤدي إلى الضغط النفسي الشديد والوعي الذاتي وتجنب المواقف الاجتماعية.
اضطراب جنون العظمة – البارانويا (PPD)
ينطوي اضطراب جنون العظمة على نمط شامل من عدم الثقة والشك في الآخرين، مع الميل إلى تفسير دوافع الآخرين بصفة خبيثة. على الرغم من عدم الارتباط المباشر بالشكّ في المعنى التقليدي، يعاني الأفراد المصابين باضطراب جنون العظمة من شكّ مفرط وعدم اليقين بشأن نوايا الآخرين، مما يساهم في طبيعتهم المشبوهة والمُتهكمة.
الرهاب المحدد
يمكن أن تتضمن بعض أنواع الرهاب المحددة الشك كعامل مساهم. على سبيل المثال، قد يعاني الأفراد الذين يعانون من رهاب الطيران من شكّ بشأن سلامة الطائرات والقلق المفرط حول الطيران.
يمكن أن يؤدي الشعور بالشكّ والقلق إلى سلوكيات التجنب والضيق النفسي الكبير. من المهم أن نلاحظ أن وجود الشكّ وحده لا يشير إلى وجود علة نفسية أو اضطراب.