.. وصمة المرض النفسي
في ظل التطور والتقدم الذي يشهده عصرنا في جميع النواحي الاجتماعية والانسانية, وفي ظل الجهود الحثيثة التي تبذل في تحقيق المساواة وتشجيع تقبل الاخرين ,إلا اننا لازلنا مع ذلك نرى العديد من الافكار والمعتقدات والسلوكيات المؤذية واحيانا النظرة الدونية إزاء المرض النفسي، حيث تؤدي الى تشكيل وصمة عار وعنصرية تجاه اولئك الذين يعانون من هذه الامراض
ماهي وصمة المرض النفسي؟
يوضح مركز خبراء النفس الطبي أن وصمة المرض النفسي هي عبارة اتجاهات سلبية يحملها الشخص نحو الأفراد المُشخصين بالاضطراب النفسي، كأن نعتقد بأنهم لا ينفعون بشيء أو أنهم عنيفين او وصفهم بالجنون والتحييز ضد الذين يعانون من الاضطراب النفسي أيا كانت درجتها ونوعها, وأيضا السلوكيات المرتبطة بهذه الاتجاهات، كالابتعاد عن هؤلاء الأفراد وتجنبهم أو حتى إيذاءهم, وايضا اتجاهات شخصية وهو مايشعر به الشخص المصاب بالاضطراب النفسي تجاه مرضه او مشكلته النفسية من حرج وخوف حيث تؤثر هذه الوصمة بشكل كبير على مشاعر الشخص الامر الذي يؤجل النتائج المرجوة من العلاج
من تصنيفات وصمة المرض النفسي ؟
الوصمة العامة
وهي الوصمة الخاصة بسلوكيات المجتمع والأفراد الآخرين التي يتم ممارستها إزاء الشخصيات المصابة بالأمراض النفسية ، حيث يتم نبذ تلك الشخصيات ووصمهم بالعار والخجل منهم ومن الممكن أن تعريضهم للإيذاء النفسي أو الجسدي
وصمة الذات
أما وصمة الذات فهي تخص الأفكار السلبية والتي يعتقدها الشخص المصاب تجاه نفسه فعلى سبيل المثال قد يعتقد الشخص المصاب بأحد الأمراض النفسية أنه شخص لا يمكن الاعتماد عليه أو أنه شخص مصدر للعار والخجل وهذا بالطبع خطأ تماماً .
وربما من أكثر مظاهر وصمة المرض النفسي ضرراً الاعتقاد بعنف المصابين بالاضطراب النفسي (“هذولا خطيرين ومجرمين وينخاف منهم”… “الواحد منهم ما تدري وش بيسوي”)، وهو اعتقاد ليس فقط مُضر بل ايضاً لا تدعمه الأبحاث العلمية الرصينة.
يمكن القول ان مثل هذه السلوكيات والاعتقادات تبدأ مع إدراك أن الاشخاص المصابين بالأمراض النفسية هم عبارة عن مصدر للخطر
ويكون السبب في ذلك عادة نتيجة لبعض المعلومات الخاطئة التي يتبناها الشخص من مصادر مختلفة ثم بعد ذلك يتبع شعور الشخص بالخوف تجاه المصابين بالأمراض النفسية، ثم يزداد هذا الخوف شيئاً فشيئاً حتى يميل الشخص لتجنب المصابين والابتعاد عنهم،
مما يؤدي إلى ظهور بعض السلوكيات التمييزية ضد الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية حيث يظهر ذلك في عدم قبولهم في بعض الوظائف او وجود صعوبة في إقامة علاقات اجتماعية مثل الصداقات.
ويبقى الحال كما هو حتى يعاني الشخص المصاب في النهاية من العزلة الاجتماعية وهذا بلا شك يساهم في تعزيز حدة الوصمة أكثر فأكثر
كيف تتعامل مع وصمة المرض النفسي ؟
عند التطرّق للحديث عن هذه الظاهرة ، وكيفية التعامل معها لابدّ لنا من الحديث عن جانبين مهمّين، الجانب الأول هو كيف يعامل الشخص المصاب نفسه مع ظاهرة الوصمة المرتبطة بالمرض النفسي. والجانب الثاني هو، كيف يتعامل بقية المجتمع مع هذه الظاهرة
التعامل مع الظاهرة كشخص مصاب ؟
لاتسمح لوصمة المرض النفسي ان تفقدك الثقة بنفسك
لا تأتي وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي من الآخرين وحسب، فربما أنت نفسك تؤمن بأنّ هذا الاضطراب النفسي الذي تعاني منه هو نقطة ضعف في شخصيّتك، أو ينتابك شعور بالخجل والحرج منه يحول بينك وبين طلب العون. ليس هذا وحسب، فقد تبدأ بجلد ذاتك والتقليل من قيمتها الأمر الذي سيزيد حالتك سوءًا. تذكّر دومًا أن الاضطراب النفسي مهما كانت درجته ونوعه، هو كأيّ مرض جسدي آخر، يُشفى ويختفي مع العلاج .
لاتعزل نفسك عن الاخرين
إن كنت تعاني من إحدى الاضطرابات النفسية، فقد تميل إلى العزلة والابتعاد عن أصدقائك وعائلتك، بل قد تجد أنّه من الأفضل ألاّ تخبرهم شيئًا عن حالتك. لكن تصرّفك هذا ليس صحيحًا تمامًا فمثل هؤلاء الأشخاص قد يكونون مصدر دعم معنوي مفيد للغاية. ليس عليك أن تنشر خبر إصابتك بمرض نفسي في كلّ الجرائد اليومية بالطبع! فمن الأفضل أن تخبر بعض الأفراد المقربين الذين تثق بهم في حالة إذا احتاجت للدعم.
لاتساوي نفسك بمرضك
أحسن استخدام الكلمات للتعبير عن مرضك أو الاضطراب النفسي الذي تعاني منه، ولا تساوي نفسك بالمرض الذي تعاني منه، بدلاً من القول: “أنا مكتئب”، استخدم جملة: “أنا أعاني من الاكتئاب“. تذكّر …أنت لست مرضك، وإنما أنت تعاني من أعراض أو اضطراب منفصل تمامًا عنك، ويمكن أن يختفي مع العلاج.
التعامل مع وصمة المرض النفسي للدعم؟
انتبه لكلامك
كثيرون من يستخدمون الأمراض النفسية المختلفة كشتائم يطلقونها على الآخرين إمّا على سبيل المزاح أو بشكل جدّي. لا شكّ أنّك في يوم ما أطلقت على صديقك صفة المفصوم أو المجنون أو المتخلّف عقليًا. انتبه من الآن فصاعدًا إلى كلماتك، فمثل هذه العبارات جارحة لأولئك المصابين حقًا بهذه الأمراض، وتسهم في زيادة معاناتهم وشعورهم بالعار والحرج من أمراضهم.
فكر فالاضطرابات النفسية كما تفكر فالاضطرابات الجسدية
هل سخرت يوماً أو سمعت شخصًا آخر يسخر من الأشخاص المصابين بأمراض القلب أو بمرض السكّري أو ارتفاع ضغط الدّم؟ والإجابة هي لا بالطبع، فلماذا تستهزأ أنت بالاضطرابات النفسية بالرغم من كونها حالات مرضية تشابه تماماً الأمراض الجسدية ولا تقلّ عنها خطورة
التوعية
لا تتردّد في أن تعبر عن رأيك حول ظاهرة وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، عبّر عن رفضك ومحاربتك لها خلال الاجتماعات والفعاليات المختلفة، فمثل هذا الأمر قد يساعد الآخرين ممن لا يمتلكون الشجاعة الكافية على أن يفعلوا الشيء ذاته، بل قد يساعد المصابين أنفسهم على تقبّل إصابتهم بالمرض النفسي واتخاذ القرار بالحصول على العلاج المناسب
.. واخيرا
هل سبق لك أن أصبت بـ الأرق؟ أو عانيت من مشاكل تتعلّق بمدى ثقتك بنفسك أو تقديرك لذاتك؟ هل شعرت خلال فترة ما بالضغط والتوتر الشديد واستمرّت حالتك لعدّة أيام أو أسابيع؟ على الرغم من أنّها تبدو مجرّد حالات عارضة، إلاّ أنها تصنّف تحت أنواع الاضطرابات النفسية.
وفي حال استمرّت أيّ من الأعراض السابقة لعدّة أسابيع فقد تتفاقم لتتحوّل إلى أمراض أشدّ خطورة فلا تهمل ذلك فلنفسك عليك حق. وينبغي النظر للأشخاص المصابين ليس على أنهم هم “الامراض النفسية” المُشخصين بها، وإنما على انهم اولاً واخيراً افراد ذوي شخصيات متفردة ومستقلة قبل وبعد ان اصيبوا بالاضطراب النفسي.
من الضروري عند التعامل مع المصاب النفسي ان نميز بينه وبين اصابته، وان لا نخلط بين الامرين، من الضروري كذلك الوعي وفهم ما يمر به الشخص من خبرات “المرض النفسي”، فهذه تعيننا كثيراً على فهم تصرفاته وتفهمها.